ما وراء الكلمات
عناصر غرافيكية



























الرسوم
الكلمة كصورة
الكتاب كعمل فنّي





















































ما وراء الكلمات
انطلاقاً من التصاميم البسيطة لكلّ صفحة، وألوانها الأوّليّة، وصولاً إلى الرسومات الأكثر تعقيداً، والشكل المطبوع، تأخذ الكتب المصوّرة بمخيِّلة القارىء إلى ما هو أبعد من الكلمات المُدوّنة على الصفحة. لا يقتصر الجانب البصري على توضيح النصّ فحسب، بل يتحوّل إلى تقنيات بلاغية قائمة بذاتها، وإلى تعابير جماليّة تمدّ النصَّ بأبعادٍ جديدة، وتبعث في القارىء استجابة عاطفية لا يثيرها النصّ المكتوب بالضرورة. هكذا تتّسع تجربة القراءة عند دمجها بالرؤية والنظر، حين يُنتج التفاعل بين النصّ والصورة معانٍ جديدة تُحرّك المشاعر وتستدعي أفكاراً وصُوَراً أُخرى.
عناصر غرافيكية
تُنظّم عناوين الصفحات وتقسيمات الفصول القصيرة التدفّق الزمني للسرد، وتضبط إيقاعه مع تتالي الصفحات. ومهما بدت أنّها مجرّد مكوّنات تصميميّة أوّليّة، فإنّ العناصر الغرافيكيّة تؤدّي دوراً بصريّاً لا يُختزل بالتنميق أو الأسلوب الجمالي المُتّبع. قد تبدو التصاميم الطباعية والأحرف خيارات شكليّة، تماماً مثل الهوامش التي تؤطّر النصّ في الصفحة، أو الفسحات البيضاء، إلا أنّها رموز مُحمّلة بقيمٍ ترتبط بالقراءة كممارسةٍ ثقافية وبأعرافها الحديثة.
الرسوم
لَقيَ الأدب والشعرُ العربي الحديث في فترة ما بعد الاستعمار تأويلاً بصريّاً على الصفحات، ما أطلقَ صيحة مشاركة الفنّانين العرب المعاصرين في صناعة الكتاب باعتباره نمطاً فنيّاً قائماً بذاته.
تُظهر النماذج المعروضة غنى المساهمات الفنيّة في الكتب، وتكشف عن مقاربات إبداعيّة وأساليبَ خلّاقة شتّى تراوحت بين كافّة الأنماط الفنيّة؛ من الواقعيّة وصولاً إلى التجريد المحض. وإن كان هذا يدلّ على شيءٍ، فهو يعكس الحماس التجريبي لدى الحركات الفنّية العربية آنذاك، إضافة إلى روح التعاون العابر للمجالات بين الأدب والشعر والفنون التشكيليّة في العالم العربي.
حتى ذلك الوقت، لم يكن الفنانين يشاركون في تصميم الصفحات وإخراجها، بل كانت تتولّاه المطبعة كتقليدٍ ثابتٍ. ما كان سائداً حينها هو الفصل التبسيطي بين النصّ والصورة في الكتب المُصوّرة، فيخرج النصّ على صفحةٍ منفصلة عن تلك التي تحوي الصور، أو توزّع الصور على صفحاتٍ متسلسلة في جزء معيّن من الكتاب
الكلمة كصورة
شهدت تلك الفترة تقاطعاً أساسيّاً بين فنون صناعة الكُتب وبين الفنّ التشكيلي العربي الحديث، تقاطع تجلّى بصورة مثاليّة في حركة الحروفيّة داخل دواوين الشعر العربي الحديث الصادرة في بغداد أوائل السبعينات، والتي حملت تواقيع فنّانين عراقيّين مثل ضياء العزّاوي وهاشم سمرجي وشاكر حسن آل سعيد. تشير الحروفيّة إلى التجريب الفنّي الحديث في أشكال الحروف والخطّ والكتابة الحرّة التي تكتنز تعبيرات جماليّة وروحيّة، وقد أدّت الحروفيّة دوراً في انقلاب الفنانين العرب على التقاليد الرائجة لفصل النصّ عن الصورة في الكتب المطبوعة، وفي استكشاف التجلّيات البصريّة للكلمات بتحويلها إلى صورٍ أخرى على صفحات الكتاب.
الكتاب كعمل فنّي
اهتزّت الأُطر التقليديّة للكتب العربيّة المصورّة بعدما بات يُنظر إلى الكتاب كوحدةٍ تعبيريّة مُتماسكة تجمع عناصره السرديّة والماديّة والشكليّة. بوصفها أعمالاً فنيّة قائمة بذاتها، دمجت هذه الكتب ممارسات إبداعيّة كانت منفصلة في السابق ضمن عملٍ فنيٍّ متكاملٍ، مثل تصميم الغلاف والرسومات والخطّ وأسلوب الطباعة إضافة إلى اختيار المقاس وطرق التجليد.
وسواء تمثّلت غايتها بتأويل نصّ ما، أو تمّ تصوّرها لتكون كـ «كتاب فنان» مستقلّ، فإن هذه الكتب أعادت تعريف الكتاب العربي الحديث بعيداً عن محوريّة النصّ التي ظلّت سائدة منذ نشأة الطباعة العربية خلال عصر النهضة. إنّه تعريف جديد قام على دعوة أنماط قراءة ورؤية جديدة، والتعامل مع الكتاب الورقي ككيانٍ جماليّ قائم بذاته.